خلال بداياتي في كلية الطب، كنت أتذمّر من كمّيّة التفاصيل التي علينا حفظها في مادة التشريح. أَوَيَجِبُ عليّ أن أتذكر شكل العظام و أين تتقعّر و أين تتحدّب؛ و على أي مستوى يوجد نتوء بارز أو حفرة؛ و كم زاوية ميلان الجزء الفلاني...؟!! هل من الضّروري أن أحفظ دفتر عائلة كلّ عضلة فأتذكّر اسمها و أصلها و منتهاها و دورها في الحياة؟!!
تلاشت كلّ هذه الأفكار عند أول مرّة لمست فيها العظم البشري... تحسّست تضاريسه المتقنة الصنع، تعجّبت من دقة التطابق بين العظم الأيمن و نظيره الأيسر، اندهشت من تلك التفاصيل التي تبدو عشوائية؛ لكنها و الله ليست كذلك!
أتعلمون أن ذلك النتوء الصغير في العظم لو لم يكن موجودا لاُصِبتم بالعَرَج! أرأيتم ذلك الانحناء، لو كان مستقيما لما استطعنا الحركة بسهولة! أرأيتم زاوية ميلان جزء ما، لو كَبُرَت أو صَغُرت لصارت حركاتنا ضعيفة محدودة!
نعم... أدقُّ التّفاصيلِ نِعمة!
لوِّحْ بيدك الآن... حركة صغيرة لا تنتبه لها، لكن أتعلم كمْ عضلةً تدخّلت فيها؟... أرأيت منطقة السّاعد، قد تبدو محدودة الحركة، لكن أتدري أنها وحدها تحتوي على عشرين عضلة!! نعم، عشرون، باختلاف أشكالها و أحجامها و أدوارها...
سبحان الله الذي ليس كمثله شيء، الخالق البارئ المصوّر، «الّذي أحسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَه».
تأمّلوا في قوله تبارك و تعالى: «و في أنفُسِكُم أفلا تُبْصِرون»، و اعقدوا جلسة تفكّر و تدبّر في صُنعِ بديعِ السّماوات و الأرض!
العنوان: "أدقُّ التّفاصيلِ نِعمة!"
خديجة رشا لوكام
وقد عِشنا عامًا آخر

تعليقات
إرسال تعليق