القائمة الرئيسية

الصفحات

ميزان الدنيا والآخرة بمُعايرة الإسلام

 







ميزان الدنيا والآخرة بمُعايرة الإسلام
________________

مقدمة:
____
-تمرُ عقارب الساعة، وتبتلعنا الحياة في دوامة ماجرَياتها؛ كموجِ البحر المتراكب الذي لا يسكن أبدًا !
أو كسباقٍ؛ لكنه ليس كسباق ال ١٠٠ متر الشهير؛ بل هو سباقٌ مستمرٌ منذ القِدم لا تنتهي جولاته إلا بانقضاء أجلك، فلا تكاد تلتقط أنفاسك إلا و تجد نفسك على حلبة سباق آخر، و تسيرُ قاطرة الحياة ساحبةً معها قطار عمرك، فلا تجد متنفسًا للراحة إلا في محطات الوحي، فيصحبُك في رحلة هادئة لإعادة ترتيب الأولويات، و تأسيس المركزيات .
ومن أهمها بل الأهم على الإطلاق: العلاقة بين الدنيا والآخرة تحت ظلال التوحيد!

إعادة توجيه البوصلة:
____

- بادئ ذي بدء يجب علينا أولًا :
تحديد موقع الدنيا والآخرة من خارطة الغايات و الوسائل، و استشراف ذلك من هَدي الوحي، فمن يجعل عمارة الأرض بالمراد المادي البحت فقط هي الغاية من الخلق سيجد نفسه مضطرًا إلى بعض اللوازم الفاسدة التي -في الغالب- لا يقصدها، و لكنها بالتأكيد ستسحبه إليها سحبًا، فذاك قانون( المتوالية الفكرية) [١] ، فسيجد نفسه أمام التهميش من دور الوحي، وتعطيل المعاني المركزية العظيمة التي أرشد إليها؛ بل حتى ليّ عنق الآي إذا تعارض مع مصالحه و منطلقاته فلا يكون للوحي أي قدسية سوى قدسية الرسم و التبرك به...كيف لا؟، فأنت أمام القراءات الحداثية المفتوحة للنص التي تجعل الوحي مادة هُلامية لا ضابط لها، وتنسى أو تتناسى أنه نور الكون و الهدى و الضياء، وأنه الآيات البينات، وأنه حجة الله على خلقه!

من رسبوا في
الاختبار :
____

وبالتالي يجب أولًا : تحديد المركز، ثم الانطلاق إلى الدنيا، فهي مطية الآخرة لرفعة الهدف النبيل و نشر الدعوةو هداية الخلق وتحقيق العبوديةوحمل الأمانة التي أشفقن منها السموات والأرض والجبال،فلا يُحمد من الحضارة و التقدم إلا ما كان موصلًا لتلك الغاية، فتلك عاد وثمود صرخواوصاحوا بأعلى صوت من أشد منا قوة! ، وأقاموا المباني الشاهقة، بل ونحتوا من الجبال بيوتًا، فأبدعوا الصنعة، وتركوا بصمتهم الحضارية المادية، ولكنهم استغنوا عن الله، وابتعدوا عن مراده في الأرض، فجاءهم الرسول؛ لإعادة ضبط الموازين، وإقامة المراد من الخلق فعتوا و استكبروا.
-حقيقةً أحسب أن لو معنا كاميرا لتصوير مشهد مخاطبة رسول الله لهم، و مشاهدة ردة أفعالهم لوجدنا وجوهًا تملؤها الدهشةو الامتعاض و السخرية.
يقولون بصوتٍ غاضب :
أتريدنا أن نترك بناء القصور و المباني و عمارة الأرض، و إقامة حضارتنا العظيمة إلى عبادة الله و إقامة أوامره؟!....إن هو إلا رجل به جِنة!
(بلغتنا المعاصرة : إيه الدروشة دي ؟) ،
فبعد مرور سنوات، و سنوات جاء القرآن لوصف فترة عاد وثمود، وتقييم فترتهم في الأرض، و تحديد موقعهم من تلك الغاية الكبرى، فأما حضارتهم و مبانيهم المزخرفة، فقال الله سبحانه وتعالى عنها أنها عبثٌ محض...
:(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ) سورة الشعراء،و أما الحكم عليهم فقال عن عاد:
(أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ) سورة هود فبئس ما فعله أولئك، و بئست تلك الحضارة المتوهمة التي لم تشرق بشمس الوحي!


التوازن الإسلامي :
____

-ولا يُفهم من هذا:
أننا ضد التقدم المادي والحضاري...حاشا!
- فنحن أمة أقرأ باسم ربك الذي خلق، و الله_ عز وجل_ قد تعبدنا بالأسباب و الوسائل، و من قرأ شيئًا من القرآن، و سنة سيدي رسول الله سيدري هذا دون كثير بحث، و مشقة؛ لكننا ننادي بترتيب الأولويات، و تحديد مركز الدائرة العمرية التي متى ما ضُبطت رُسمت الدائرة واُكملت بأتقن وجه تمامًا كما في علوم الهندسة!

الزُبدة من كلام الكبار:
_

-و أختمُ بموقف سيدنا ربعي بن عامر -خريج مدرسة أعظم معلم في التاريخ - أمام قائد الفرس رستم حينما سأله: ما أخرجكم من دياركم إلينا أيها العرب؟
- فأجاب و أجاد و أوضح الغاية من خلق العباد، و لخص مقالتنا تلك بحروفٍ من نور فقال:

(نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد؛ إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان؛ إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة)


__________________
[١] كتاب مآلات الخطاب المدني لإبراهيم السكران وفيه فصل بعنوان قانون المتوالية الفكرية .


بقلم : عمّار المرسي


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

وقد عِشنا عامًا آخر

دعني أكشفُ عن خبيئةٍ راودتك أيّها الزميلُ الإشراقيّ؛ حين كُنتَ تطالعُ صُور طُلاب الشيخ أحمد السيد وهم يتفاعلون مع كلامه ويتقافزون مِن حوله…

صورة